فورين بوليسي: الولايات المتحدة غير قادرة على إيقاف تقدم الصين

فورين بوليسي: الولايات المتحدة غير قادرة على إيقاف تقدم الصين

تتطلع أميركا بلا شك إلى تباطؤ النهضة الاقتصادية للصين، وخاصة في مجال التقدم التكنولوجي، على الرغم من تأكيد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على عدم صحة ذلك، وذلك وفقًا لمقال نُشر في مجلة فورين بوليسي الأميركية.


فورين بوليسي: الولايات المتحدة غير قادرة على إيقاف تقدم الصين
فورين بوليسي: الولايات المتحدة غير قادرة على إيقاف تقدم الصين


ففي شهر أبريل/نيسان الماضي، صرحت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين بأنه يجب ألا يتعارض النمو الاقتصادي في الصين مع الريادة الاقتصادية الأميركية، وأن اقتصادنا لا يزال الأكثر حيوية وازدهارًا على مستوى العالم، وأضافت أنه ليس لدينا أي سبب للقلق من المنافسة الاقتصادية مع أي دولة.

في نفس الشهر، صرح جيك سوليفان، المستشار الأميركي للأمن القومي، "سنستمر في اتباع سياسة صارمة في تصدير التكنولوجيا التي يمكن أن تؤدي إلى تشويه التوازن العسكري. ببساطة، يجب أن نتأكد من عدم استخدام الصين للتكنولوجيا ضدنا أو ضد حلفائنا".

وعلى الرغم من ذلك، قد أظهرت إجراءات إدارة الرئيس بايدن أن رؤيتها تتعدى ذلك، حيث لم تتخلى عن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2018 على الصين، ورغم انتقادات بايدن لها عندما كان مرشحًا للرئاسة. بدلاً من ذلك، حاولت إدارة بايدن زيادة الضغط على الصين من خلال حظر تصدير الشرائح الإلكترونية ومعدات شبه الموصلات وبعض البرمجيات المحددة، وتمكنت من إقناع حلفائها مثل هولندا واليابان بالانضمام لها في هذا الشأن، وفقاً لنفس المجلة.

حظر الاستثمارات

تقول المجلة إنه في الوقت الأخير، تحديدًا في تاريخ 9 أغسطس/آب الماضي، أصدرت إدارة بايدن أمرًا تنفيذيًا يحظر الاستثمارات الأميركية في الصين المشمولة بتقنيات ومنتجات حساسة، مثل أشباه الموصلات والإلكترونيات الدقيقة وتكنولوجيا المعلومات الكمية وقطاعات الذكاء الاصطناعي التي تشكل تهديداً جديًّا للأمن القومي، لأنها قد تمنح الصين ميزة عسكرية أو استخباراتية أو مراقبة أو قدرات سيبرانية.

حسب تصريحات فورين بولسي، يتم تأكيد جميع هذه الأفعال على أن الحكومة الأميركية تسعى جاهدة لوقف نمو الصين ومع هذا، السؤال الأهم هو هل تكون الولايات المتحدة قادرة على تحقيق هذه الحملة؟ وجواب الأرجح هو لا.

ترى المجلة أنه لا يزال هناك فرصة بالنسبة للولايات المتحدة لتعديل سياستها تجاه الصين بهدف خدمة الأميركيين وبقية العالم بشكل أفضل. تعتبر المجلة قرار الولايات المتحدة بإبطاء التطور التكنولوجي في الصين بمثابة قرار غبي وتشبهه بالمقولة الشهيرة "إغلاق الباب بعد افتراق الغنم". فقد أثبتت الصين الحديثة مرات عديدة أنه لا يمكن إيقاف التطور التكنولوجي فيها.



محاولات عبر التاريخ

منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، تم بذل الكثير من الجهود لتقليل قدرة الصين على الوصول والتطور في العديد من التكنولوجيات الحيوية، بما في ذلك الأسلحة النووية والفضاء والاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية ونظام تحديد المواقع العالمي وأشباه الموصلات وأجهزة الحاسوب العملاقة والذكاء الاصطناعي.

وحاولت الولايات المتحدة كذلك تقييد سيطرة الصين على السوق في مجالات شبكات الجيل الخامس والطائرات بدون طيار والسيارات الكهربائية، كما أوضحت المجلة.

ومع ذلك، لم تُحقق الجهود نجاحًا في السيطرة على نمو التكنولوجيا في الصين، وأدت إلى تدمير العلاقات الاستراتيجية الأميركية ذات الطابع الدائم.

تشير المجلة إلى عدم نجاح السياسة الأميركية من خلال استخدام محاولة إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في عام 1993 لتقييد وصول الصين إلى تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية، وعلى الرغم من ذلك، فإن الصين حاليا تمتلك حوالي 540 قمرا اصطناعيا في الفضاء.

تم تنفيذ نفس المبدأ مع نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" (GPS) عندما قيدت الولايات المتحدة قدرة الصين على الوصول إلى نظام البيانات الجغرافية المكانية في عام 1999. في استجابة لذلك، قامت الصين بإنشاء نظامها الموازي العالمي للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية "جي إن إس إس" (GNSS)، المعروف بـ "بيدو" (BeiDou). هذا يعتبر واحدة من الموجات الأولى الرئيسية في عملية الانفصال التكنولوجي.

في بعض الأوجه ، يُعَدُّ نظام بيدو اليوم أفضل من نظام "جي بي إس" حيث يُضَمُّ 45 قمر اصطناعي بدلاً من 31 في "جي بي إس" ، وبالتالي فهو قادر على توفير مزيدٍ من الإشارات في معظم العواصم العالمية ، كذلك يُدَعَّمُ بـ 120 محطة أرضية ، مما يُؤَدي إلى دقة عالية ، ويحتوي على ميزات إشارة متقدمة لنقل المعلومات.

ردة الفعل الصينية

وأشارت المجلة إلى أن إدارة بايدن اتخذت العديد من الإجراءات التي تستهدف الصين دون أخذ قدرتها على الانتقام بعين الاعتبار، حيث تدرك بكين تمامًا أهمية المعادن النادرة التي تحتكرها تقريبًا، في الابتكار الأميركي، وتستخدمها الآن للتأثير عليها. وقد كان حظر الصين في يوليو/تموز الماضي على صادرات الغاليوم والغرمانيوم مجرد خطوة أولى لتذكير أمريكا وحلفائها بسيطرة الصين على مجال المعادن النادرة.

أمريكا غير قادرة على إيقاف تقدم الصين
أمريكا لا تسطيع إيقاف تقدم الصين


واعتبرت المجلة أن عدم اهتمام واشنطن بقدرات الصين القادرة على الانتقام يعكس عدم وجود خطة مندرجة وشاملة تتعامل بحكمة مع بكين.

وأشارت إلى أن الإجراءات الأمريكية المتخذة لحرمان الصين من الوصول إلى الرقائق الأكثر تقدما يمكن أن تتسبب في تأثير سلبي على الشركات الأمريكية الرائدة في صناعة الرقائق بشكل أكبر مما تؤثر على الصين، حيث إن الأخيرة هي أكبر مستهلك لأشباه الموصلات في العالم.

أشارت المجلة إلى أن الصين قامت بشراء أشباه الموصلات من الشركات الأميركية بقيمة 70.5 مليار دولار في العام 2019، وهذا يمثل حوالي 37% من إجمالي مبيعات هذه الشركات على مستوى العالم.

وتعتمد بعض الشركات الأمريكية، مثل كورفو وتكساس إنسترومنتس وبرودكوم، بشكل كبير على الصين لتحقيق حوالي نصف إيراداتها. فبحوالي 60% من إيرادات شركة كوالكوم وربع إيرادات إنتل وحوالي خُمس مبيعات إنفيديا يأتي من السوق الصينية.

وتقول المجلة إنه ليس أمراً غريباً أن يتوجه الرؤساء التنفيذيون لهذه الشركات الثلاثة مؤخراً إلى واشنطن للتحذير من أن الصناعة الأميركية قد تتأثر بسبب قيود التصدير، وستتأثر الشركات الأميركية أيضاً بإجراءات الانتقام المتبادلة من جانب الصين، مثل الحظر الذي فرضته بكين في شهر مايو/أيار الماضي على رقائق شركة ميكرون تكنولوجي ومقرها في الولايات المتحدة، وتشكل الصين أكثر من 25% من مبيعات هذه الشركة.

أميركا تخسر

ووفقا لغرفة التجارة الأمريكية، من المتوقع أن يتسبب الحظر الأمريكي على مبيعات أشباه الموصلات إلى الصين في خسائر للشركات الأمريكية تبلغ 83 مليار دولار من الإيرادات السنوية، مما يؤدي إلى إلغاء 124 ألف وظيفة. وبالإضافة إلى ذلك، سوف يتطلب الأمر خفض ميزانيات البحث والتطوير السنوية بما لا يقل عن 12 مليار دولار، فضلاً عن النفقات الرأسمالية بما يقرب من 13 مليار دولار. وهذا من شأنه أن يزيد من إعاقة قدرتها على المنافسة عالميًا على المدى الطويل، كما أبرزت مجلة فورين بوليسي.

وبحسب المجلة، يدرك شركات أشباه الموصلات الأميركية أن الخطوات الأميركية ضد الصين في مجال الرقائق ستؤثر سلباً على مصالحها بشكل أكبر من المصالح الصينية. في يوليو/تموز الماضي، أصدرت جمعية صناعة أشباه الموصلات الأميركية بياناً أشارت فيه إلى أن الإجراءات المتكررة التي اتخذتها واشنطن "تهدد بتقليل القدرة التنافسية لصناعة أشباه الموصلات الأميركية، وتعطل سلاسل التوريد، وتخلق حالة من عدم اليقين الكبير في السوق، وتحفز الصين على تصعيد إجراءاتها الانتقامية".

وتقول المجلة أنه من غير القابل للتصديق أن يدعم القانون الرقائق صناعة الولايات المتحدة لأجل غير مسمى، حيث لا توجد قاعدة طلب عالمية أخرى تحل مكان الصين.

تشير إلى أن الدول الأخرى التي تنتج الرقائق ستنتهك بالتأكيد وتبيع للصين كما فعلت في السابق، وبالتالي، فإن الإجراءات الأمريكية ستكون غير فعّالة.

بواسطة حظر تصدير الرقائق والمدخلات الأساسية الأخرى إلى الصين، ترون المجلة أن الولايات المتحدة سلَّمت بكين خطتها الحربية قبل سنوات من الاشتباك، وأعلنت أنه ستجبر الصين على بناء الاكتفاء الذاتي في وقتٍ سابق بكثير مما كانت ستحققه لولا ذلك.

 

 


إرسال تعليق

أحدث أقدم
NATIVE ASYNC

نموذج الاتصال